المقالات

الإيمان في مهب الجيوبولتيك: الشرق الأوسط بين الروحية الناعمة وإعادة رسم خرائط القوة

جودت مناع

لم يعد الصراع على الشرق الأوسط صراع حدود أو جغرافيا فحسب، بل أصبح صراعاً على الوعي ذاته؛ على ما يشكّل هوية الشعوب وما يرسّخ انتماءها وأثرها في العالم. ففي لحظة سياسية تتسارع فيها التحولات الدولية، تبرز “الروحية الناعمة” كأداة جديدة تستخدمها قوى كبرى لخلق واقع جيوسياسي مغاير، يقوم على إعادة تشكيل المعتقدات والرموز الدينية وتوجيهها نحو أهداف سياسية صلبة.

يرى محللون أن المنطقة تنتقل من نظام “سايكس – بيكو” الذي قسّم الأرض إلى نظام أشد تعقيداً يسعى إلى ضبط الهويات وإعادة تشكيلها، على نحو يذكّر بمقاربات “الأبرتهايد” ولكن عبر أدوات تأثير ناعمة تمتد إلى عمق الإيمان والتاريخ. وداخل هذه المقاربة تتقدم الرؤية الأمريكية لإدارة المنطقة ككتلة نفوذ واحدة، حيث تُعاد صياغة التحالفات والحدود لتُشكّل امبراطوريات سياسية واسعة تُدار بمنطق الهيمنة لا بمنطق العدالة.
لذلك يسعى. ترامب لضم كندا وآيسلندا، ويدعم خطط شن حروب لتقويض أنظمة حاكمة وينتقد بألفاظ لاذعة كل من يعارضه من أعراق أخرى ومثال ذلك حملته على عمدة نيويورك العتيد ممداني والنائبة الديموقراطية إلهام عمر. مما يكشف عن حرب أهلية مفترضة في الولايات المتحدة.

وفي قلب هذه العملية، تتحول سياسات التطبيع في الشرق الأوسط إلى منصة لإعادة هندسة الوعي الإنساني، لا باعتبارها مساراً نحو حلّ الصراع، بل كرافعة لتقويض الحقوق الفلسطينية وتفكيك مركزية القضية، بينما يجري توظيف الرموز الروحية لتقديم واقع سياسي مشوّه على أنه “تصالح تاريخي”.

فلسطين، بما تختزنه من رمزية روحية كونية، تصبح البوابة الأولى لهذا التحوّل. فالاستعمار الناعم يحاول تجميل حقيقة قاسية: تحويل الإيمان إلى سلعة سياسية، وتقديم سرديات جديدة تبتلع ذاكرة المنطقة وتشويه حقائقها.

وفي عالم تُعاد فيه كتابة القواعد، يبرز السؤال الملحّ: هل يمكن للشرق الأوسط أن يحافظ على جوهره الإنساني والروحي أمام موجة عاتية من إعادة تشكيل الهوية؟ أم أننا أمام لحظة يعاد فيها بيع الإيمان في أسواق السياسة الدولية؟

كاتب صحفي فلسطيني

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار