بعد الصناديق… هل ستنتصر الأمانة أم الغنيمة في تشكيل الحكومة؟
بقلم الكاتب : محسن نغيمش محمد المياحي
ما إن أُغلِقت صناديق الاقتراع وأُعلنت النتائج الأوّلية للانتخابات البرلمانية، حتى ظنّ البعض أن المشهد السياسي قد استقرّ، وأن الطريق بات واضحًا نحو تشكيل الحكومة الجديدة. غير أن الواقع يؤكّد أن المعركة الحقيقية قد بدأت الآن؛ فمرحلة ما بعد الانتخابات هي الامتحان الأصعب للعملية السياسية، وفيها تُفرَز موازين القوى الحقيقية، وتتشكل التحالفات وفق منطق الأرقام لا منطق البرامج، وينتقل الصراع من الساحات الجماهيرية إلى غرف التفاوض المغلقة.
وفي هذه المرحلة الحرجة، تتضح المواقف بجلاء؛ فهناك من هم على قدر المسؤولية، مدركون حجم الأمانة، ومقدّرون لتضحيات شهداء الحشد الشعبي المقدس وقواتنا الأمنية البطلة التي لولاها لما تمكّنا من ممارسة العملية الديمقراطية بهذا الشكل. وفي المقابل، هناك من يسعى وراء المنصب لمصلحته الخاصة، فيقدّم التنازلات ولو على حساب الوطن ومصالح الشعب العليا، متجاهلًا الأمانة التي حمّله إيّاها المواطن، والثقة التي وضعها في عنقه. وكما قال أمير المؤمنين الإمام علي (عليه السلام):
“إنها أمانة، فمن جعلها أمانة فقد أدّاها، ومن جعلها غنيمة فقد خانها.”
هذه المقولة تختصر جوهر الأزمة السياسية؛ فالحكم حين يُفهم على أنه أمانة، يصبح تكليفًا ثقيلًا عنوانه العدل، وخدمة الناس، وحماية الحقوق. أمّا حين يُنظر إليه على أنه غنيمة، فإنه يتحوّل إلى وسيلة للثراء والنفوذ وتقاسم الامتيازات، وتُختزل الدولة في صفقات، ويُختزل الوطن في مصالح ضيقة.
إن مرحلة ما بعد الصناديق ليست مجرد ترتيب سياسي، بل هي اختبار أخلاقي قبل أن تكون استحقاقًا سياديًا؛ فإمّا أن ينتصر مفهوم الأمانة كما أراده الإمام علي (عليه السلام)، فتُبنى حكومة على أساس الكفاءة والعدالة وخدمة المواطنين، وإمّا أن يسود منطق الغنيمة، فتُعاد إنتاج الأزمات ذاتها بوجوه جديدة.
فكل قرار يُتخذ، وكل تحالف يُبرم، وكل منصب يُستلم، هو موضوع أمام محكّ التاريخ وعيون الشعب. فالحكم أمانة قبل أن يكون سلطة، وخدمة للناس قبل أن يكون امتيازًا، ولن يغفر الزمن أي إخلال بالثقة التي وُضعت على عاتق من تسلّم المسؤولية.